إن دراسة مفهومي النفس والروح تعد من المواضيع الجليلة التي تثير اهتمام الكثيرين،فإدراك الفروق بين النفس والروح يساعدنا في فهم كيفية عمل الإنسان وآلية حياته،يعتبر القرآن الكريم مصدراً أساسياً لفهم هذه المفاهيم، حيث أن الله قد أنزل الكتاب لمساعدتنا في التعرف على الحقائق الأساسية التي توجه حياتنا في هذه الدنيا نحو الآخرة، لذا فإن اهتمام العلماء بتفسير هذه المصطلحات يعد أمراً ضرورياً لتغذية الفهم الصحيح للإسلام.
ما الفرق بين النفس والروح
- لقد خلق الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام في بداية خلق البشر وخلق معه حواء لتكون زوجته في الدنيا،حين قال الله تعالى للملائكة أنه سيخلق الكثير من البشر ليكونوا خليفةً لآدم وحواء في عبادة الله وإعمار الأرض.
- وأمر الملائكة بالسجود لسيدنا آدم عندما قام الله بالنفخ فيه من روحه، وهذه الحادثة مذكورة في القرآن الكريم كما جاء في قوله تعالى
(إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ).
- على الرغم من وضوح النصوص الدينية، إلا أن الفرق بين النفس والروح ظلّ غير واضح للناس على مر العصور، لذا قام علماء وفقهاء الدين بتوضيح المعاني المختلفة لهذين المفهومين.
تعريف كلمة النفس
- النفس تمثل ذات الإنسان بكل تعقيداتها، فهي تضم العقل والجسد والدم، وتكون مكلفة بالقيام بالأعمال وتحاسب عليها في الآخرة،يبين هذا المعنى في كتاب الله تعالى حيث قال
(الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
أقسام النفس
تنقسم النفس إلى عدة أقسام، وهي
-
النفس المطمئنة
- وهي أعلى درجات النفس عند الله، ويسعى جميع البشر للوصول إلى هذه الدرجة العالية ليلقوا رضا الله،ولكن للوصول لهذه المرحلة، يتعين على الفرد السعي لعمل الكثير من الأعمال الصالحة المأمور بها للاقتراب من الله.
- كما يجب على الإنسان أن يتجنب إيذاء الآخرين، وأن يكون هدفه في الحياة واضحًا، وهو الابتعاد عن المعاصي ونيل الحسنات لتفوز بالجنة في الآخرة.
- كما قال الله تعالى
(يا أيّتُها النّفسُ المُطمئِنّةُ ارجعي إِلى ربِّكِ راضيةً مرضيّةً فادخُلي فِي عِبادِي وادخُلِي جنّتِي).
-
النفس الأمارة بالسوء
- هذه هي النفس التي يمكن أن يسهل على الشيطان التأثير عليها، مما يؤدي بها إلى ارتكاب الذنوب والمعاصي التي تغضب الله وتعرض الإنسان للهلاك.
- جاء ذلك في قوله تعالى
(وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
-
النفس اللوامة
- تعتبر هذه المرحلة وسيطاً بين النفس المطمئنة والنفس الأمارة بالسوء، حيث من الممكن أن ترتكب الآثام ولكنها سرعان ما تلوم نفسها على ما فعلت، فتعود للاستغفار وطلب المغفرة من الله.
- وقد ذكرها الله تعالى عندما قال
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).
تعريف كلمة الروح
- أما الروح، فلا يوجد تعريف محدد لها بشكل دقيق، ولكن يمكن وصفها بأنها عنصر حيوي يتواجد مع جسم الإنسان، وتظل حية حتى وفاته،عند موت الإنسان، تذهب هذه الروح إلى بارئها، ولا يعرف البشر المزيد من التفاصيل عنها.
- تظل الروح مرتبطة بالحياة، فقد قال تعالى (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)؛ ولا يكتمل إدراك الإنسان إلا عندما ينفخ الله فيه من روحه.
- في يوم القيامة، تعود الأرواح إلى أجسادها عندما ينفخ الله في الصور، ويدعو الخلق للحياة مرة أخرى، وقد ذكر الله ذلك في قوله
(ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ).
صفات الروح والنفس والجسد
- خلق الله تعالى العقل البشري ليمكّن النفس من التفكير وبتدبر الحياة نفسها.
- جعل الله القلب مرتبطًا بالعقل، لكنه يعمل بشكل أسرع من العقل، مما يدلل على تداخل هذه العناصر.
- ترتبط الروح بالجسد، فالروح تتحرك بسلاسة، بينما الجسد قد يكون بطيئًا في الحركة.
- الروح تعمل وفق توجيهات الله، وبالتالي لا تؤدي إلا تدابير الخير.
- توجد الروح في الإنسان منذ لحظة بدايته في الخلق، وتبقى مرتبطة به، وعند الموت تتلاقى الأرواح وتشعر بما يجري في حياتنا.
- عند النوم، يقبض الله روح الإنسان، وهو ما يُعرف بالوفاة الصغرى؛ كما جاء في قوله
﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.
- عند موت الإنسان، لا يتحرك جسده على الرغم من سلامة أعضائه، وهذا يعود لخروج الروح منه.
ماذا يحدث للروح عند موت الإنسان
تحمل لحظة وفاة الإنسان وخروج الروح من جسده مشاعر صعبة، وهذا بسبب
- تنتقل الروح من عالم الفهم والعادة إلى عالم مجهول تمامًا بالنسبة لنا.
- عند الموت، يرى الإنسان الملائكة محيطة به، ويستمع إليهم، مما يساعده في فهم مصيره سواء كان في نعيم أو عذاب.
- مهما طالت فترة حياة الإنسان، فإن الزمن الذي سيقضيه بعد الموت في قبره تفوق كل ذلك، حيث تحدد أفعاله مصيره في البرزخ وفي الآخرة ما بين نعيم دائم أو عذاب مستمر.
لدى توقيع مقولة “إنّ الأجساد لبالية، وإنّ الأرواح لباقيّة، وإنّ نجاة الأرواح من صلاح العمل” أهمية عميقة،بالنسبة لجملة أن الأجساد بالية، فإنها تشير إلى حقيقتها بأنها تتلاشى بعد موت الإنسان، وهذا ما لا ينطبق إلا على أجساد الأنبياء بفضل حكمة الله.
- أما مقولة أن الأرواح باقية، فهي أيضًا حقيقة، حيث تموت الأرواح بخروجها من الجسد ولكن تبقى عند الله بأمره حتى يُبعث الإنسان في يوم القيامة.
- أما في ما يخص مقولة نجاة الأرواح من صلاح العمل، فهي تعكس الطبيعة أن الأعمال الصالحة هي التي ترفع الإنسان في درجات القرب من الله وتفتح أمامه أبواب الجنة،وتجسد الآيات القرآنية هذا الأمر، مشيرة إلى أن
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
- على الرغم من ذلك، فإنه عند ارتكاب السيئات، فإن النفس تبتعد عن الله وتقترب من العذاب، كما جاء في الآية
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ).
وبذلك، نجد أن جسد الإنسان يتكون من خلايا متعددة وأعضاء وروح، حيث تساند الروح الأعضاء وتجعلها نشطة،بينما النفس هي العنصر المتحكم في الجسد والروح، تمامًا كما يسير السائق بمركبته.
علينا أن نتذكر أن النفس قد تقود الإنسان نحو الحياة الأبدية التي ترضي الله، أو العذاب الأليم بسبب الأفعال السلبية والكبيرة في حياته.
بهذا، نكون قد خلصنا إلى توضيح الأثر الكبير الذي يمكن أن تحدثه كل من النفس والروح على حياتنا، وللتواصل معنا ومعرفة المزيد من المعلومات، يمكنكم ترك أسئلتكم في التعليقات أدنى المقال وسنكون سعداء بالإجابة عليكم.