يُعَدّ الجهر بالدعوة الإسلامية من المراحل الحاسمة في تاريخ الرسالة المحمدية، حيث عانى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه من تحديات جسيمة في سبيل نشر الدعوة،منذ اللحظات الأولى للبعثة، واجه الرسول تحديات كبيرة من قريش، لكن حكمة الله ورحمته أدت إلى مواصلة الدعوة حتى تكللت بالنجاح،تبرز هذه الدراسة المراحل المختلفة التي مرّت بها الدعوة الجهرية، وكيف تم التصدي للمعوقات والتحديات، بهدف تحقيق أهداف الرسالة النبيلة.
كم دامت دعوة الرسول الجهرية
عندما نبحث في تاريخ الدعوة الإسلامية، نجد أن بداية الدعوة كانت سرية بفضلٍ من الله، حيث استمرت تلك المرحلة لمدة ثلاث سنوات،وبعد ذلك، وتحديدًا في السنة الرابعة من البعثة، جاء أمر الله للجهر بالدعوة،قال الله تعالى “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ” (سورة الحجر 94)،فرق الزمن بين مراحل الدعوة الجهرية يُظهر أهمية كل مرحلة ودورها الفعال في تحقيق التواصل مع المجتمع.
يمكن تقسيم فترة الدعوة الجهرية إلى ثلاث مراحل رئيسية، وتُحدد كل منها وفقاً للزمان،هذه المراحل تشمل
- المرحلة الأولى كانت الدعوة فيها جهرية فقط باللسان، وركزت على عدد معين من الناس، خاصة رؤساء الأشهاد.
- المرحلة الثانية بدأت من السنة الأولى بعد الهجرة، واستمرت حتى العام السادس هجريًا،وتميزت بالقتال رداً على الهجمات التي تعرض لها المسلمون.
- المرحلة الثالثة بدأت بعد صلح الحديبية وشملت الدعوة الجهرية إلى جانب القتال مع المعادين للدين.
وبذلك، فإن الدعوة الجهرية مثلت مرحلة حيوية من تاريخ الإسلام، حيث بدأت بتحديات وصعوبات معينة حتى تطورت لتصبح حركة واسعة شملت الكثير من القبائل والمناطق،وفي هذه السياق،ُ يمكننا فهم عمق تأثير الجهر بالدعوة في انتشار الإسلام.
جهر النبي بالدعوة للناس عامة
كان جهر النبي بالدعوة له أثر كبير في توسيع نطاق الإسلام،في البداية، كانت الدعوة تركز على الدائرة الضيقة من الأهل والقريبين، ولكن بعد ذلك، جاء الأمر الإلهي للنبي لأخذ خطوة أكبر في دعوة قادة قريش وبقية القبائل،قال الله تعالى في سورة الشعراء “وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ” (الآية 214)،وعندما فعل ذلك، ارتفعت الأصوات في مكة بشكل لافت.
من خلال وقوف النبي على جبل الصفا، كان ينادي قبائل قريش بأسمائها ويخبرهم برسالته،وعلاقة الرسول بقبائل قريش كان لها تأثير كبير على النظام الاجتماعي والاقتصادي في مكة في ذلك الوقت،ومع الدعوة إلى الإسلام، تمكن النبي من جذب انتباه الكثير من الناس بما فيهم أولئك الذين كانوا يحملون موقفًا سلبيًا من تلك الدعوة.
قال النبي في حديث عن ابن عباس “أرأَيْتُم لو أخبَرْتُكم أن خَيلًا بسَفْح هذا الجبل تُريدُ أن تَغِيرَ عليكم أَصدَّقْتُموني” وقد أثار هذا السؤال فضولهم وحثهم على التفكير في الرسالة الجديدة،وفي نفس الوقت، واجه الرسول الكثير من الصعوبات، حيث كان هناك الكثير من المواقف العدائية تجاه دعوته.
استمرت الدعوة الجهرية إلى حين تحقيق الدين وسياج من خلال الإيمان والعمل الصالح، حيث كان الهدف الأساسي هو نشر رسالة الله وبناء أركان المجتمع المسلم القائم على الحق والتوحيد،واختتمت تلك المرحلة بمجموعة من الإنجازات العظيمة للدعوة الإسلامية.
أسباب الجهر بالدعوة
الجهر بالدعوة الإسلامية كان ضرورة لا بد منها،لم يكن بإمكان الدعوة الاستمرار في إطار سري، خاصة مع وجود الكثير من المعاندين والمستكبرين،تعددت الأسباب والدوافع وراء الجهر بالدعوة، ونستعرض فيما يلي بعض هذه الأسباب
1- بيان أن الإسلام منهج حياة
استمرار السرية كان على نحوٍ يُعطي انطباع سلبي عن الإسلام أنه دين الانعزال،لذلك كان من الضروري توضيح أن الإسلام يشمل كافة جوانب الحياة، ويُعكس مجموعة من القيم والمبادئ التي تهدف إلى تنمية الإنسان والمجتمع.
2- تحقيق أغراض الدعوة السرية
فترة الدعوة السرية كانت كفيلة بتحقيق أهداف محددة، ولكن الجهر بالرسالة كان ضرورة حتمية لقياس مدى قوة الإرادة لدى الصحابة وتجربتهم في تحمل الأذى من أجل دينهم،فقد تعرضوا لتحديات جسيمة خلال هذه المرحلة، ولكن الأمل بالنجاح والنصر عوضهم عن الصعوبات.
3- أعداد المسلمين
عند انتهاء المرحلة السرية من الدعوة، كان عدد المسلمين قد ارتفع بشكل ملحوظ، حيث انضم عدد من أبرز الشخصيات الإسلامية،إن التحول الذي شهدته الدعوة كان نتيجة حتمية للجهر بها، حيث أصبح عدد كبير من الناس مستعدين للإيمان.
4- تقوية أواصر الدين
الجهر بالدعوة كان له أثر كبير في توسيع نطاق الإسلام، مما أسفر عن وجود أنصار جدد للدعوة في مختلف الأصقاع،وكانت هذه التجمعات سببًا في انتشار الإسلام في أماكن كانت بعيدة عن مركز الدعوة الأولى.
5- تحدي الصحابة لقريش
أظهر الصحابة شجاعة وجرأة كبيرة في مواجهة أعداء الإسلام، مما أدى إلى شعورهم بالمسؤولية ونشر الدعوة بالرغم من التحديات التي واجهتهم،كانوا يدافعون عن قيمهم ويواجهة قريش بكل قوة وعزم.
6- استفزاز قريش
كان هناك وعيٌ بين الصحابة لما كان يخطط له قريش، مما جعلهم أكثر عزيمةً وإصرارًا على جهر دعوتهم،وقد كان ذلك خطوة شجاعة في الطريق للتأكيد على موقفهم أمام خصومهم.
في نهاية المطاف، لم يكن الجهر بالدعوة مجرد اختيارات استراتيجية، بل كان استجابة لأمر الله عز وجل،هذه القوى الدافعة كانت راسخة مثلما كانت أهداف الرسالة عظيمة، مما جعل الإسلام ينتشر بجدارة في كافة أرجاء الأرض.
إن المضي قدمًا في دعوة الإسلام كان هاجسًا دائمًا للرسول وأصحابه، إذ أنهم كانوا يواجهون انتقادات وضغوطات من جميع الاتجاهات، لكنهم كانوا متفقين على الدفاع عن الحق بالصدع بالكلمة والدعوة بكل ما أوتوا من قوة،وهذا ما أدى في النهاية إلى انتشار الدين بشكل واسع.