جائزة نوبل للفيزياء 2022: تكريم ثلاثي لعلماء ميكانيكا الكم وتحطيم نظريات آينشتاين حول الزمان والمكان – بقلم الدكتور أحمد أبوتليح
المقال الحائز على جائزة أوسكار المبدعين العرب
المركز الثالث عربياً
والأول مصرياً
التشابك الكمي .. وجنون آينشتاين.
بقلم الدكتور أحمد أبوتليح
أعلنت المؤسسة المسؤولة عن جائزة نوبل يوم الثلاثاء الموافق الرابع من أكتوبر لعام 2022 أسماء الثلاثة علماء الفائزين بجائزة نوبل للفيزياء وهم على التوالي: آلان أسبكت فرنسي الجنسية، أنطون زيلينجر أسترالي الجنسية، وجون إفك لوزر أمريكي الجنسية. هؤلاء الثلاثة علماء قدموا نظريات في علم ميكانيكا الكم الذي قلب الطاولة على نظرية النسبية العامة لصاحبها، أشهر عالم فيزياء في وقته، العالم ألبرت آينشتاين.
تلك النظرية تحدثت عن الكتلة والسرعة والزمن في معادلة واحدة، حيث قال إن الجسم كلما زادت سرعته زادت كتلته. وأن أكبر سرعة معلومة للإنسان هي سرعة الضوء، وإذا تحرك الجسم بسرعة الضوء توقف الزمن، وإذا زادت عن سرعة الضوء رجع للماضي. وذلك يعد نظرياً، ولكن استطاع العلماء إثبات نظريته على مجال حسي بسيط، حيث أثبت منذ عامين أنه عند عبور ثقب أسود بالقرب من المجموعة الشمسية أثر على الزمن بجزء من مئة من الثانية بما يسمى اعوجاج نسيج الزمكان.
ولكن علماء ميكانيكا الكم أثبتوا بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك أشياء في الكون تتحرك بسرعة أكبر من سرعة الضوء بمقدار عشرة آلاف ضعف، مما دعا إلى تحطيم نظرية آينشتاين على مستوى الذرة، وهو مجال علم ميكانيكا الكم. ولكي نتفهم معًا معنى ميكانيكا الكم، لابد من الغوص قليلاً في علم الذرة وسنأخذه من قبل الميلاد حتى وقتنا هذا، في خطوات سريعة حتى لا نضيع تركيزنا في فهم علم ميكانيكا الكم.
عندما تكلم الإغريق عن المادة، مم تتكون، قال أحدهم من الماء، وثانيهم قال من النار، وثالثهم قال من الهواء. أما الرابع، عبقري زمانه، فنهض واقفًا وقال: “ثلاثتكم صحيح ولكن نضيف التراب”. أي إن المادة، سواء كانت حديدًا أو نحاسًا أو خشبًا أو ورقًا، تتكون من الماء والنار والهواء والتراب.
أما أحدهم سأل: وما أصغر وحدة للمادة يمكننا الوصول إليها؟ نطق فيلسوف عصره وقال: “الذرة هي أصغر وحدة مكونة للمادة”. وتدور الأيام ويأتي طومسون، والذي أول من وضع تصورًا للذرة حيث شبهها بالبطيخة أو البرتقالة، فهي مستديرة مصمتة وبداخلها البذور موزعة، وتسمى إلكترونات. وحتى جاء رذرفورد، صاحب تجربة لوح الذهب وذرات الهيليوم، حيث أطلق شعاعًا من ذرات الهيليوم على لوح الذهب، وإذا كانت الذرة مصمتة فسوف يرتد كل ذرات الهيليوم كمن يلقي كرة على جدار.
ولكن الذي حدث غير ذلك وغير نظرية طومسون، حيث نفذ جزء من ذرات الهيليوم وارتد الباقي. من تلك التجربة استنتج أن الذرة تتكون من نواة موجبة وعالية الكتلة في المنتصف، ويدور حولها إلكترونات سالبة الشحنة وصغيرة الحجم، وبين الإلكترونات والنواة فراغ مثلما تدور الكواكب حول الشمس. ولهذا، ما تعلمناه في مدارسنا. وإذا كانت معلوماتك مثلي تمامًا، فثق يا صديقي أننا متأخرون عن العالم بحوالي مائة عام تقريبًا، لأن هذه هي تجربة رذرفورد تمت في عام 1923 ميلادية. فماذا حدث من تطور بعد ذلك خلال تلك الفترة غير القليلة؟ دعني أقول لك، كل ما سبق مجرد مقدمة لما هو آت.
أراك صعقت من هول المفاجأة. نعم، المائة عام الماضية تم اكتشاف ما هو آت. أولًا، ثبت خطأ من يقول إن الإلكترونات تدور حول النواة كما تدور الكواكب حول الشمس. فثبت أن الإلكترون يدور في مسار بيضاوي وليس دائري، وأن لكل إلكترون مستوى أفقي أو رأسي في الدوران مختلف. مجموعة الإلكترونات تشكل حول النواة بما يسمى السحابة الإلكترونية، وقد تم إثبات أن الإلكترون يدور حول نفسه في جميع الاتجاهات.
كيف؟ فعلاً شيء محير، فهو يدور حول نفسه يمينًا ويسارًا في ذات نفس الوقت. وليس ذلك فقط، بل يدور لأعلى وأسفل في ذات نفس وقت دوران الإلكترون لليمين ولليسار. كيف؟ لا تسألني، هذا شيء لا يصدقه عقل، ولكن القادم أكثر جنونًا، اصبر وما صبرك إلا بالله.
هل الإلكترون جسيم أم موجة؟ تلك التجربة جننت علماء الفيزياء. فعند قذف سيل من الإلكترونات على لوح ذو شق واحد (أي فتحة طولية واحدة)، تم رسم خط واحد على اللوح المتلقي للإلكترونات من خلف اللوح المشقوق، وهذا طبيعي. فأنت إذا قذفت حجارة صغيرة على لوح ذو فتحة واحدة سترى كومة واحدة من الحجارة خلف اللوح.
قاموا بعمل شقين في اللوح متوازيين رأسيًا وتم قذف سيل من الإلكترونات. فشاهدوا خطين مرسومين كحجم الشقين تمامًا. وما الغريب في هذا؟ فإنه طبيعي الحدوث. أقول لك: اصبر. نسي أحدهم الجهاز وذهب للنوم، وفي اليوم التالي وجدوا أكثر من خط رأسي مرسوم، الأوسط سميك ويضعف على الجانبين تدريجيًا، مما يوحي بأن ذلك سلوك الموجة وليس الجسيم.
فعندما تلقي حجرًا على سطح الماء يصنع دوائر متلاحقة بما يسمى بالموجة، وإذا ألقينا بحجرين متجاورين يتم صنع مجموعتين من الأمواج تتداخل فيما بينهما، وكل قمتين يتلاقى يعلو بقوة، وكل قاعين يتلاقى ينخفضا بقوة أكبر من الموجة الواحدة. فكل قمتين تقوي أحدهما الآخر، وكل قاعين يضعف كل منهما الآخر.
وتم إعادة التجربة مرة أخرى ومع المشاهدة، وجدوا أن هناك صفين فقط وعند غلق كاميرا المراقبة تصنع أمواجًا، فكان الاستنتاج أن الإلكترون ليس بجسيم وليس بموجة، بل هو جسيم عندما تراقبه ويسلك مسلك الموجة عندما توقف المراقبة. تلك أول تجربة من تجارب ميكانيكا الكم التي جننت آينشتاين، لأن العلماء الذين أجروا تلك التجارب من عصر آينشتاين.
التجربة الثانية والأكثر غرابة: نظرية التشابك الكمي.
والتي تقول: لو أخذنا إلكترونين من نفس الذرة وذهبنا بأحدهما إلى أبعد نقطة في الكون. وراقبنا حركة الإلكترون ووجدناه يدور في اتجاه عقارب الساعة، بما يرمز له للأسفل، فبكل تأكيد نجد الإلكترون الآخر يدور عكس عقارب الساعة، أي للأعلى.
وهنا وجد آينشتاين ضالته لتحطيم نظرية علماء ميكانيكا الكم (الكوانتم)، حيث قال لهم وبكل بساطة: لو وضعت فردة جوانتي في صندوق والفردة الأخرى في صندوق آخر، وأرسلنا كل صندوق على كوكب مختلف لشخص ما، فعند فتح الأول للصندوق ويجد الفردة اليمنى، فبكل تأكيد الشخص الآخر سيجد الفردة اليسرى.
وجلس واضعًا ساقًا على ساق وابتسامة تعلو وجهه، قام أحد علماء ميكانيكا الكوانتم بشرح الآتي: “يا مستر آينشتاين، كلامك صحيح مليون بالمائة، وكان ذلك ما يحدث”. ولكن ما حدث أغرب من الخيال، حيث عند دوران أحد الإلكترونات، يكون الآخر في اتجاه معاكس، ولكن الاتجاه كان يتغير، وعند تغيره، يتم تغيير اتجاه الإلكترون الآخر في ذات اللحظة.
فلو فرضنا أن على الأرض إلكترونًا وشقيقه على مجرة أخرى أو في طرف الكون المرئي، وعند ملاحظة حركة الإلكترون الأرضي، سيكون الإلكترون الآخر على طرف الكون عكس اتجاه حركته. وعند تغيير اتجاه حركة الإلكترون الأرضي، يتم تغيير اتجاه حركة الإلكترون الآخر في ذات اللحظة، مع أن سرعة الضوء لقطع تلك المسافة يستغرق أربعين سنة ضوئية.
فكيف للإلكترون على طرف الكون يعلم تغير اتجاه حركة شقيقه في نفس ذات اللحظة؟ هذا ما يسمى بالتشابك الكمي، أي إن هناك شبكة أو خيوط وهمية تربط الإلكترونين عبر مسافات فلكية تعد بالسنوات الضوئية، ويتم إيصال المعلومات فيما بينهم.
وهذا ما حطم نظرية آينشتاين في أن أقصى سرعة هي سرعة الضوء. فكيف لتلك المعلومات التي تسير بسرعة عشرة آلاف ضعف سرعة الضوء؟ وهي تلك النظريات التي حصل عليها العلماء الثلاثة جائزة نوبل، ونظريات أخرى لا يسعنا شرحها.
ولكن أرى أحدهم يسأل: لما كل هذا الكلام وقد أصبتنا بالصداع؟ وما فائدة نظريات ميكانيكا الكم؟ أقول لك: عندك حق يا صديقي، ما فائدة كل هذا الهراء؟ يؤسفني أن أخ