في عالمنا المعاصر، تتداخل القضايا الفقهية مع المفاهيم الإيمانية، حيث يسعى العديد لفهم آيات القرآن الكريم وما تحمله من دلالات وآثار عميقة،آية “وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى” من سورة البقرة تعد واحدة من الآيات التي تعكس التساؤلات الإيمانية الكبرى، والتي تمثل لحظة تأمل عميقة من نبي عظيم كإبراهيم عليه السلام،من خلال هذا المقال، نهدف إلى استكشاف معاني هذه الآية، والألفاظ الغريبة، والإعرابات، وكذلك الفوائد التربوية التي يمكن أن نستخلصها منها.
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى
يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل
“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (البقرة 260).
في هذه الآية الكريمة، يقدم الله تبارك وتعالى واحدة من المعجزات الكبرى المتمثلة في إحياء الموتى، من خلال قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام،يتبين أن إبراهيم كان مؤمنًا بحق، ولكنه طلب الرؤية العملية لكيفية إحياء الموتى ليطمئن قلبه أكثر، وليس من باب الشك،سيدنا إبراهيم، كغيره من الأنبياء، كان يتطلع إلى تأكيد معرفته عن قدرة الله.
غريب الألفاظ في الآية وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى
ذكر ابن قتيبة في كتابه “غريب القرآن” عن كلمة “فَصُرْهُنَّ” أن معناها “أملهن إليك”، والتي تدل على جمع الأجزاء المتقطعة من الطيور،هذا الفعل يمثل عملية تحويل أجزاء الطيور المتناثرة إلى حالة كاملة، وهو التفسير الدقيق لما يريده إبراهيم،ومن غريب الألفاظ أيضًا كلمة “سعيًا”، التي تعني على الأغلب المشي السريع، كما يشير بعض المفسرين إلى أن المعنى يتعدى إلى العدو، ولنضرب مثالًا أن الطيور طارت على أرجلها.
غريب الإعراب في الآية وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى
أما في مسألة الإعراب، نجد أن كلمة “يَأْتِينَكَ سَعْيًا” تحمل معاني متعددة، حيث تشير إلى حال الطيور بينما تلبّي نداء إبراهيم،تُظهر هذه الصياغة البلاغية جمال العربية، حيث تجمع الكلمة الواحدة معاني متعددة في ذات الوقت، مما يُثرى النص بالتعقيد والجمال.
المناسبة فيما قبلها
يأتي ذكر هذه الآية في سياق الرد على زعم الذين تحدوا إبراهيم في قوة الله، كما في الآية السابقة عنها،هذه الآية تبرز قدرة الله الكاملة على إحياء الموتى، وتظهر كيف أن الله يستمع إلى تساؤلات عباده،كما نجد أن الآية تعكس روح الإيمان والتسليم لله، حتى في أعظم الشكوك.
اللطائف التربوية في الآية
تتضمن الآية الكثير من التعليمات واللطائف التربوية، ومنها
- تأكيد الشيخ ابن عثيمين على أهمية الطلب من الله لتعزيز اليقين في القلب.
- إثبات قدرة الله على إحياء الموتى مما يعزز فكرة الإيمان بالآخرة.
- اللغة والتعبير الدقيقين الذي يبين عظمة القرآن، حيث يحتوي على بلاغة عالية ودلالات عميقة.
البلاغة في الآية الكريمة
فيما يخص البلاغة، فإن الآية تبرز جماليات ونوعيات متعددة من التعبيرات، من خلال الكلمات التي تعبر عن الدعوة والنداء،مثلاً، استخدام “رَبِّ” لا يعني فقط الدعاء بل يبرز أيضًا الحاجة والاعتماد على الله في كل الأمور،والحديث عن “عزيز حكيم” يؤكد صفات الله ويدعو المؤمنين للتأمل في عظمة الله وقدرته.
حديث الرسول عن وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى
في الحديث الشريف، أظهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم كيف أن تساؤلات إبراهيم كانت تعبر عن طبيعة الإيمان الإنساني،وقد جاء في الحديث ما يُبين كيف أن نوابغ هذه الأمة، كإبراهيم، قد يشعرون بنفس التساؤلات، مؤكداً بذلك أن الرغبة في التأكيد الإيماني أمر طبيعي،قال الرسول “نحن أحق بالشك من إبراهيم”، وذلك ليبين أن الإيمان يحتاج دائمًا إلى تعزيز يتجدد.
في الختام، تقدم هذه الآية الكريمة مرجعًا للعديد من الدروس التعليمية والثقافية التي تسهم في تشكيل وعي المجتمع حول علاقة الأفراد بربهم، وما يمكن أن يطرحه القرآن من مهام روحية،هي دعوة لتأمل المعاني، وتطوير أساليب الفهم لدى المسلمين، تعزيزًا لدور القرآن في حياتهم اليومية وتوجهاتهم الروحية.