تُعتبر المواضيع المتعلقة بالنذالة وقلة الأصل من أكثر الموضوعات تناولاً في الشعر العربي، فقد عكست تجارب الأفراد في العصور المختلفة،تُشير النذالة إلى الخسة والحقارة في النفس البشرية، بينما تعني قلة الأصل انقطاع الشخص عن المعرفة بالأصول الكريمة،يتجلى هذا الموضوع عبر عدد من الأشعار التي تبرز مرونة التعبير الأدبي وعمق المفهوم الاجتماعي،تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على بعض الأشعار التي تناولت هذا الموضوع، وما تعكسه من القيم الأخلاقية والنفسية في المجتمع العربي.
شعر عن النذالة وقلة الأصل في الشعر العربي
1- أبيات الشافعي عن الصداقة
ينظر الإمام الشافعي، رحمه الله، إلى الصداقة كعلاقة تتطلب التقدير والاحترام المتبادل، حيث يعبّر في أبياته المشهورة عن أهمية التفريق بين الأصدقاء الحقيقيين وأولئك الذين يفتقرون إلى العطاء والاهتمام،يقول في بعض أبياته
إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً،
فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا.
فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ،
وَفي القَلبِ صَبرٌ لِلحَبيبِ وَلَو جَفا.
تُبين هذه الأبيات ضرورة عدم الالتصاق بالأشخاص الذين لا يُظهرون تقديرًا لحبك وصداقةك، بل تواصل البحث عن أصدقاء آخرين يدركون قيمتك الحقيقية،يُظهر الشافعي من خلال كلماته أهمية الاستغناء عن العلاقات السلبية والتي قد تسبب الذل والإهانة.
2- قصيدة واحر قلباه للمتنبي
أبو الطيب المتنبي، واحد من أعظم شعراء العرب، تجسد معاناته مع النذالة من خلال قصائده،في قصيدة “واحَرّ قلباه”، يُعبّر المتنبي عن مشاعره من خلال تقديم رؤية فلسفية حول الصداقة،يقول
وما انتفاعُ أخي الدُّنيا بناظرِهِ
إذا استَوَت عندَهُ الأنوارُ والظُّلَمُ
سيَعلَمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مَجلسُنا
بأنَّني خيرُ مَن تسعى بهِ قَدَمُ
يتناول المتنبي في شعره فكرة أن الصداقات يجب أن ترتكز على القيم الحقيقية، وأن مجرد الوجود مادياً أو لفظياً حولك لا يعني شيئاً ما لم تكن هناك نوايا صادقة.
3- القصيدة الضادية لابن زيدون
يبرز ابن زيدون الأندلسي استعراضه لمعاني النذالة في قصيدته الشهيرة “الضادية”،في قصيدته، يجد تعبيراته مفهومة بوضوح في كلماته التي تنقل مشاعر الغضب والإحباط من خيانة الأصدقاء،يقول
وَأَنذِر خَليلَكَ مِن ماهِرٍ
بِطِبِّ الجُنونِ إِذا ما عَرَض
كَفيلٌ بِبَطِّ خُراجٍ عَسا
جَريءٌ عَلى شَقِّ عِرقٍ نَبَض
يُبادِرُ بِالكَيِّ قَبلَ الضَمادِ
وَيُسعِطُ بِالسَمِّ لا بِالحُضَض
وَأَشعِرُهُ أَنّي اِنتَحَبتُ البَديلَ
وَأُعلِمهُ أَنّي اِستَجَدتُ العِوَض
تتجلى في هذه الأبيات الصراعات الداخلية التي يعاني منها الشاعر مع ذوي النفوس الضعيفة، وتحذر الأصدقاء من تجاوزات بعضهم البعض.
4- أقوال الشعراء المجهولون في النذالة وقلة الأصل
تتضمن الحكمة العربية القديمة تعبيرات متنوعة حول النذالة، مثل
ثقْ بالكريمِ إذا تهلَّل بِشْرُه،
فهو البشيرُ بنيلِ كلِّ مرادِ.
والبِشْرُ في وجهِ اللَّئيمِ تملُّقٌ،
فاحذرْ به استدراجَه بفسادِ.
الجمال والتأمل في هذه الأبيات يكمن في قدرة المنشدين على توضيح الفروقات الأساسية بين القيم الأخلاقية والفئات الاجتماعية المختلفة، منظراً إلى العلاقات الإنسانية بإدراك عميق للأخلاقيات.
شعر بدوي عن النذالة وقلة الأصل
1- قصيدة “يا كثر ما رافقت خلان وأحباب”
تعبر هذه القصيدة البدوي عن التعب والخذلان الناتج عن خيانة أصدقاء لم يقدّروا قيمة الكرم والعطاء،تجسد هذه الأبيات مشاعر الأسى والحزن في قلب الشاعر تجاه من خانوه، حيث يقول
يَا كُثر مَا رَافَقِت خِلّان وأَحبَاب
وَيَا كُثُر مَا في شِدّتي هَمَلُوني
تظهر هذه الأبيات كيف أن الكرم والعطاء قد يستثمر في أوقات الشدة، لكن النذالة تُظهر نفسها غالبًا بين الأقرباء والمحبين.
2- القصيدة البدوية “لا خاب ظن الآدمي في زمانه”
تستعرض هذه القصيدة التأملات حول غدر الأصحاب وانعدام الثقة إذا ما تعرض الإنسان لخيانة أو غدر شخص كان يعول عليه،تقول الأبيات
لا خَاب ظَنّ الآدَمِي في زَمَانه
وتِخْلفْ به الهَفَوات فِي بَعْض الأَصْحَاب
إنها تعكس رؤية مأساوية حيث يبرز الشاعر أهمية الحذر في الاختيار الدقيق للأصدقاء.
3- لا تعاشر صاحب بسرعة يخون
هذه القصيدة تُسلط الضوء على الحذر في العلاقات، وتُظهر أهمية اختيار الأصدقاء بعناية وشروطهم في أي علاقة،تقول الأبيات
لا تعاشر صاحب بسرعة يخون
ولا تخون بصاحبك طول العمر
تشير العبارات إلى ضرورة الاهتمام بالعلاقات الحقيقية ومعرفة القيم الحقيقية للأصدقاء المدّعين.
يظل الشعر العربي غنياً بالتعبير عن مشاعر الفقد والغدر، حيث يعطي أهمية للقيم الاجتماعية وضرورة احترامها،فقد تجسد ذلك في نصوص متعددة، مما يجعل من الأدب العربي مرآةً تعكس عمق التجارب الإنسانية وتعلّم الأجيال القادمة عن التمييز بين النبل والنذالة،من خلال هذه القصائد، نستطيع أن نفهم العمق النفسي لذلك في المناخ الثقافي العربي.