وفاة عمار بن هيثم بن عبد الله
مُرض عمار بوقس بمرض ويردنغ هوفمان، المعروف علميًا بـ”الضمور العضلي الشوكي من النوع الأول”، وهو مرض نادر وراثي يُضعف العضلات تدريجياً بسبب الخلل في الأعصاب الحركية،ويعتبر هذا المرض من أشد أنواع الضمور العضلي حدة وغالبًا ما يبدأ في مرحلة الطفولة، مما يؤدي إلى تدهور القدرة الحركية للمصاب،على الرغم من التحديات الجسيمة التي فرضها هذا المرض منذ صغره، ظل عمار يُظهر صلابة وعزيمة لا تُقهر، مُشيرًا إلى أنه يمكن التغلب على الصعوبات مهما كانت الظروف.
بداية الرحلة تحديات التعليم المبكر
وُلِد عمار بوقس عام 1986 في ولاية ويسكونسن بالولايات المتحدة الأمريكية لأبوين سعوديين،ظهر عليه أثر المرض في سنواته الأولى، حيث كانت حركته محدودة للغاية،وكما كان متوقعًا، أدت تلك القيود إلى صعوبات كبيرة في التحاقه بالمدارس المناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، وعندما عاد إلى السعودية، زادت هذه الصعوبات، حيث واجه تحديات في القبول في المدارس المحلية كطالب منتظم على خلفية حالته الصحية.
لكن، كان لجده، الأستاذ عبد الله بوقس، دورٌ محوري في دعمه، حيث عمل على قبوله كطالب بنظام الانتساب في المعهد العلمي بجدة،ورغم التحديات، كان عمار يُصر على عدم وضع قيودٍ على طموحاته،استمر في تعليمه بإرادة قوية وحقق نتائج متميزة، ما أدى إلى تخرجه من المرحلة الثانوية بتقدير ممتاز وبنسبة 96%، مما عكس عزيمته وإصراره على تحقيق النجاح الأكاديمي.
إنجازات أكاديمية رفيعة
واصل عمار مسيرته التعليمية بنجاح، ليحصل على درجة البكالوريوس في الإعلام والعلاقات العامة من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، حيث تصدر قائمة الطلبة بمعدل 4.73 من 5،تحولت هذه المرحلة الجامعية إلى واحدة من أرقى محطات حياته، فلم تمنعه القيود الصحية أو قلة الحركة من الانخراط كطالب منتظم،لقد عزز هذا التفوق الأكاديمي ثقته بنفسه وفتح له أبواب المستقبل، مما جعله نموذجًا ملهمًا لشباب الوطن.
مسيرة مهنية حافلة بالنجاح
بعد تخرجه، بدأ عمار بوقس مسيرته الإعلامية في الصحافة السعودية، ملتحقًا بصحيفة “المدينة” ككاتب رياضي، ليظهر إبداعه وتأثيره في المجال،بعد خمس سنوات من العمل الجاد والمثمر، انتقل إلى صحيفة “عكاظ”، حيث تمكن من بناء قاعدة جماهيرية له بفضل أسلوبه الكتابي الفريد،الصحافة كانت بالنسبة له ساحة مُلهمة للتعبير عن قضايا المجتمع، خاصة قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، مما ساهم في تعزيز مكانته وتوسيع دائرة تأثيره في المجتمع.
حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة
يُعتبر إنجاز عمار في حفظ القرآن الكريم في سن الثالثة عشرة من أبرز إنجازاته الروحية، حيث استغرق منه الأمر عامين فقط،تُعتبر هذه الخطوة شهادة على إيمانه القوي وعزيمته، حيث اعتبر أن حفظ القرآن يساهم في تعزيز سلامه النفسي ويعينه على التعايش مع معاناته،كان يتمنى أن يحصل على فرصة للسجود شكرًا لله على نعمة الصحة والنجاح، مُعبرًا عن إيمانه العميق بأهمية الروحانية في تعزيز الاستقرار النفسي.
عمار بوقس والزواج
برغم مرضه، قام عمار بوقس بتأسيس حياة أسرية سعيدة، حيث تزوج منذ ثلاث سنوات وعاش حياة مستقرة مع زوجته التي كانت دائمًا بجانبه،وقد تحدّث في العديد من المناسبات عن سعادته في حياته الزوجية وأثرها الإيجابي على صحته النفسية ومعنوياته،شكل الدعم العائلي له عاملاً حاسمًا في استمراره وقدرته على تحقيق أحلامه، حيث أكد أن العائلة والأصدقاء كانوا السبب في إنجازاته المبهرة.
مبادرة دعم ذوي الإعاقة
في عام 2014، أطلق عمار بوقس مبادرة لدعم الموهوبين من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث سعى لتشجيعهم على تحقيق أحلامهم وإظهار قدراتهم،لم تتوقف طموحاته عند هذه المبادرة، بل تحولت إلى جمعية رسمية في عام 2018 تحت إشرافه، مُستهدفة تقديم الدعم اللازم للشباب ذوي الإعاقة في مختلف المجالات،تشكل الجمعية امتدادًا لرؤية عمار الإنسانية، والتي تكرّس مفهوم العطاء والمساعدة المجتمعية كجزء من نجاحه الشخصي.
كلمات مؤثرة عن وفاته
مع إعلان خبر وفاته، كان هناك ردود فعل قوية من قبل المجتمع، حيث عبر الكثيرون عن حزنهم لفقدان هذه الشخصية الملهمة،وقد أبدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي وكثير من الشخصيات العامة والإعلاميين في المملكة مشاعرهم المؤثرة، مُطلقين عليه لقب الرجل الشجاع الذي تحدى القيود الجسدية وحقق نجاحًا خارقًا،يُعتبر عمار بوقس رمزًا للأمل للشباب الذين يسعون لتحقيق أحلامهم بالرغم من الصعوبات.
إرث عمار بوقس ودروسه الملهمة
خلف عمار بوقس إرثًا عظيمًا من الإنجازات والرؤى الملهمة للأجيال القادمة،أظهر من خلال تجربته أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بقوة الجسد بل بمدى قوة الإرادة والعزيمة، وأن القدرة على التغلب على التحديات تأتي من الداخل،لقد ألهمت قصته مئات الشباب والشابات في السعودية، لتكون مثالًا حقيقيًا على أن الإصرار والاجتهاد هما المفاتيح الأساسية لتحقيق الأهداف،بالرغم من رحيله، فإن قصة كفاحه ستبقى حية في قلوب محبيه، وستظل شعلة إلهام للشباب لتجاوز كافة التحديات.
يمثل عمار بوقس نموذجًا حقيقيًا للإيمان بقوة الإرادة، ويُذكرنا بأنه يمكننا دائمًا التغلب على التحديات والصعوبات بإرادتنا وإيماننا بالنجاح،فإن رحيله يحثنا على الاستمرار في مسيرتنا وتحقيق أحلامنا، مع ذكرى عمار في قلوبنا كرمزٍ للأمل والطموح.