نتحدث اليوم عن دعاء السعي بين الصفا والمروة، ونسلط الضوء على أبرز تفاصيل هذا الطقس المهم،يعتبر السعي بين الصفا والمروة من العبادات الأساسية في الإسلام التي أوجبها الله على عباده،تعود جذور هذا السعي إلى قصة السيدة هاجر، التي تحملت مشقة البحث عن الماء لابنها إسماعيل،حول هذه الطقوس وكيف تطورت عبر الزمن، سنستعرض في هذا المقال التفاصيل المتعلقة بهذا السعي وأهميته في الحج والعمرة.
تعود بداية السعي بين الصفا والمروة إلى زمن النبي إبراهيم عليه السلام حيث كانت السيدة هاجر أول من سعى بين الصفا والمروة عندما كانت تبحث عن الماء لابنها النبي إسماعيل، ثم صعدت على جبل الصفا ثم نزلت حتى وصلت إلى جبل المروة وكررت الأمر حتى سبعة أشواط، وبعدها عثرت على الماء في زمزم فشربت وروت ابنها إسماعيل،هذه اللحظات التاريخية تحمل في طياتها الكثير من الدروس والعبر، وتجسد الإيمان والصبر في البحث عن الرزق.
عندما جاء الإسلام، جعل السعي بين الصفا والمروة من طقوس الحج والعمرة،الطريق الذي يربط بين الصفا والمروة يسمى مسعى، أو مكان البحث، والمسعى الآن داخل المسجد الحرام نتيجة التوسع السعودي الذي حدث عام 1375 هجريًا،يتمثل السعي بين الصفا والمروة في مجموعة من الأشواط التي تعكس تقرب المعتمر من الله، وتغمره شعور الارتباط بالماضي وتاريخ الأنبياء.
تبلغ المسافة بين الصفا والمروة 394.5 متراً، وهناك من يقول إنها 405 متراً، وهناك من يقولون 375 متراً،يعد هذا السعي من الطقوس التي تجمع بين العبادة واليقين في رحمة الله، فعدد الأشواط يكتمل إلى سبعة، مما يحمل معاني الصبر والمثابرة،ويعكس تصميم المسعى الفريد على شكل طوابق متعددة، حيث يعكس التوسيع والأهمية الدينية لأداء هذه العبادة بأكبر عدد ممكن من الحجاج والمعتمرين.
دعاء السعي بين الصفا والمروة
أما عن السعي فإنه من السنة أن المعتمر إلى بلغ المسعى، وعند وقوفه على جبلي الصفا والمروة، أن يتلو قول الله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)،يتبع الساعي ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان صلوات الله وسلامه عليه يقرأ الآية السابقة ويقوم بالبدء بسعيه فوق الصفا، مستقبلاً الكعبة، مكرراً كلمات التوحيد والعبادة.
يعتبر الدعاء خلال السعي من الأوقات المستجابة، فيجوز للمعتمر أن يدعو بما في نفسه ويطلب من الله ما يريد، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “أعظم الدعاء”، مما يضفي مساحة كبيرة للتفكر والتوجه إلى الله بالدعاء الذي تمليه عليه نفسه.
الدعاء بين الصفا والمروة
يعتبر الدعاء في هذا المكان المقدس من السنن التي يجب أن يسعى إليها الحاج أو المعتمر، حيث أن قراءة الأذكار أو التكرار بالأدعية يعكس الروحانية العالية ويخلق حالة من الطمأنينة للمسلم،يتعين عليه أن يطلب الله دائمًا ما ينفعه في دينه ودنياه، في هذه الأثناء.
بالإضافة إلى الأذكار، ينبغي أن يتحلى المعتمر بالصبر والسكينة، ويمكنه أن يذكر الله سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم، فهو أحسن الذكر،الدعاء يمكن أن يكون أيضًا بعبارات محفوظة أو ما يتضمنه من مشاعر شخصية.
ومن الأدعية المشهورة التي يُستحب أن تُقال “اللهم أصلح لي ديني، الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر”.
يمكنك أن تدعو أيضًا “اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل شر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار”،إن هذه الأدعية تحمل مضامين عظيمة وتعبّر عن تمني كل ما هو خير في الدنيا والآخرة.
شرح وتفصيل لـ دعاء السعي بين الصفا والمروة
عندما يصل المعتمر إلى الصفا وينظر للكعبة، يقول “الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له”،ثم يدعو الله بكل ما يرغب فيه،بعد هذا التسبيح، يقتضي السنة أن يواصل المعتمر ركضه حتى يصل إلى المروة، حيث يتكرر نفس الدعاء والذكر في كل شوط يتمه.
يُفضّل الذكر والدعاء في كل شوط، إظهاراً لروح العبادة والإخلاص لله، مما يجعل السعي يُعتبر كفارة للأخطاء والذنوب،على المعتمر أيضًا أن يتذكر بركة هذه الأماكن، وأن يسعى بين جبلي الصفا والمروة كما سعت هاجر، وما لذلك من عبرة في الصبر والاعتماد على الله.
بجانب الذكر، يُستحب أن يقوم المعتمر بالهرولة بين الميلين الأخضرين في السعي، حيث يُعتبر هذا من السنن المخصوصة للرجال، في إظهار الحركية والنشاط، بحيث يبدو جسد المؤمن متوجه إلى الخالق بطريقة فاعلة.
وفي نهاية السعي، يلتقط بعض المعتمرين قسطًا من الفكر في معاني السعي والعبادة، ويتم تكرار دعاء “ربنا تقبل منا وعافنا واعف عنا وعلى طاعتك وشكرك أعنا”،وهكذا يمضي السعي بسلام ويكتمل بأتم صورة دالة على الإخلاص والإيمان.
جبلي الصفا والمروة
تعرف الصفا في اللغة بالحجر الأملس، ويُطلق اسم جبل الصفا على أحد جبلي مكة المكرمة المقدسين، بينما سُمّي الجبل الآخر، المروة، باسم المروة، حيث يفصل بينهما مسعى خاص تدور فيه الطقوس العبادة،يصير هذا الموقع مرتعًا للحجاج والمعتمرين عبر العصور، ويحمل رمزية الروحانية القوية.
حكم السعي بين الصفا والمروة للمعتمر
جمهور الفقهاء عند الحنابلة والشافعية والمالكية يرون أن السعي بين الصفا والمروة يُعد ركنًا من أركان العمرة، ولذا يجب على كل معتمر الالتزام به،بينما يرى فقهاء الحنفية أن السعي يُعتبر من واجبات العمرة، مما يعني أن تركه لا يُبطل العمرة، ولكن يحتاج الشخص إلى الهدي.
على الرغم من أن الطهارة لا تُشترط كشرط أساسي لصحة السعي، إلا أن التوجه للطهارة يصبح أمرًا مستحبًا خاصة في ظل وجود المسعى داخل الحرم، وبالتالي، يفضل على المعتمر أن يدخل إلى عبادة السعي وهو على طهارة، مستشعرًا فضائل المكان الذي يعبده الله فيه بشغف.
تطوير المسعى بين الصفا والمروة
في عام 1335 هجريًا، قام الشريف حسين بن علي بكساء المسعى بالحجارة الجبلية، بهدف إصلاح وترميم أرض المسعى،هذا العمل جاء نتيجة للغبار الكبير الذي يصدر من الأرض الترابية، والذي كان يمثل مصدر إزعاج كبير للحجاج أثناء تأديتهم للعبادة.
لم يكتف الشريف حسين بهذا الترميم بل أسس مظلة على المسعى لتوفير الحماية للحجاج من حرارة الشمس وغيرها، مما جعل بالفعل المسعى مكانًا أكثر راحة وملاءمة لأداء العبادة،وهذا يعد تحولا نوعيا لم يعرفه المسعى من قبل، حيث يوفر السقف إمكانية الخروج بروح عالية لا تخشى العوامل الخارجية.
حتى قبل توسعة المسعى عام 1375 هجريًا، كان يوجد بين الصفا والمروة سوق كبير يُعتبر من بين الأسواق القليلة المنظّمة في مكة المكرمة،كان المسعى يتميز بكونه ملتويًا وليس مستقيمًا، مما يعكس طبيعة التطور وإعادة التشكيل التي شهدها المكان عبر العصور،إن هذه التفاصيل تدل على عراقة المكان وتاريخه العميق وتفاعله المستمر مع الأجيال.
في نهاية المقال، نأمل أن تكون قد أتحفتحت قلوبكم ونفوسكم بأهمية دعاء السعي بين الصفا والمروة وعبادة السعي ككل، فهي ليست مجرد طقوس بل تمثل إرثًا ثقافيًا ودينيًا عميقًا يستحق التأمل وإعادة النظر في تفاصيله،فليكن هذا المقال دليلاً مفيدًا لكل من ينشد التعرف على هذه العبادة العظيمة.
ختامًا، لا شك أن السعي بين الصفا والمروة يمثل تجربة فريدة من نوعها، حيث يرتبط بحكايات تاريخية تحمل الكثير من المعاني والدروس،لذا، فإنه من المهم لكل حاج ومعتمر أن يستشعر النعمة الكبيرة التي ينالها من خلال أداء هذه العبادة، وأن يغتنم الفرصة للدعاء والتقرب إلى الله في هذه اللحظات الروحانية.