تُعتبر أحكام التجويد جزءًا أساسيًا من علوم القراءة عند المسلمين، حيث تساهم في تحسين الأداء القرائي وجعل قراءة القرآن الكريم أكثر وضوحًا وجمالاً،من أحد هذه الأحكام، يأتي التركيز على حروف الإظهار والإدغام والإقلاب والإخفاء المتعلقة بالنون الساكنة،تشمل هذه الأحكام قواعد معينة تعتمد على السياقات المختلفة التي يقع فيها الحروف، وبكلمات أخرى، إن قواعد التجويد تقطع شوطًا كبيرًا في فهم النصوص العربية وتعزيز جودة القراءة،وفي سياق مقالنا هذا، سنقوم باستعراض تفصيلي لهذه الأحكام بشكل متسلسل ل الوعي وتسهيل الفهم الخاص بهذه القواعد المهمة.
حروف الإظهار والإدغام والإقلاب والإخفاء
تُعتبر اللغة العربية من أغنى اللغات نظرًا لما تحتويه من رموز ومعانٍ لا نجد مثيلًا لها في أي لغة أخرى، فهي لغة القرآن الكريم،كل حرف من حروف الإظهار والإدغام والإقلاب والإخفاء له حكم خاص به يتعلق بالنون الساكنة والنون المنونة،لذا لابد من فهم ماهية النون الساكنة والنون المنونة قبل أن نتناول تفاصيل تلك الحروف وأحكامها،
النون الساكنة تعني النون التي لا تحمل أي حركة، فهي تُعتبر ثابتة سواء في الوصل أو الوقف، وتتواجد في مواقع متعددة في الكلمة، مثل الكلمة “الأنعام” أو “يهون”،بينما النون المنونة نجدها متواجدة غالبًا في آخر الكلمة، مثل “هُدًى” و”زُجاجٌة”،وكلا من النون الساكنة والنون المنونة تخضعان لأحكام مختلفة تتعلق بالإظهار والإدغام والإقلاب والإخفاء.
1- الإدغام
تتكون أحرف الإدغام من ستة حروف (م، ن، ر، ل، و، ي)،يُعرف الإدغام بأنه التقاء حرفين، أحدهما ساكن والآخر متحرك، حيث يندمج الحرفان ليصبحا حرفًا واحدًا مشددًا،أثناء القراءة، يُعتبر الإدغام كأنه حرفًا واحدًا على الرغم من أنه في الأصل كان حرفين،بشكل عام، تُعبر كلمة إدغام في اللغة العربية عن إدخال شيء ما إلى شيء آخر،على سبيل المثال، في كلمة “مِنْ رَبِّهِمْ” [5: سورة البقرة] و“هُدىً لِلْمُتَّقِينَ” [5: سورة البقرة].
كما يتمثل الإدغام بغُنّة في أربعة أحرف (ي، م، ن، و)، فإذا جاء أحد هذه الحروف بعد النون الساكنة أو النون المنونة، يحدث الإدغام بالغُنّة،وبالنسبة للإدغام بغير غُنّة، يتكون من حرفين فقط (ل، و) ويحدث عندما يأتي أحد الحرفين بعد نون ساكنة في كلمتين منفصلتين،
2- الإقلاب
يُعتبر الإقلاب من الأحكام الأقل حروفًا، حيث يشمل حرفًا واحدًا فقط وهو (ب)،يقوم الإقلاب على استبدال حرف بمكان حرف آخر، مع مراعاة حكم الإخفاء والغُنّة،كلمة الإقلاب تعني تغيير شيء عن اتجاهه،يتواجد الإقلاب في ثلاث صور مختلفة
- مجيء التنوين في نهاية الكلمة الأولى مع الباء في بداية الكلمة الثانية.
- وجود النون الساكنة في نهاية الكلمة الأولى مع الباء في بدايتها.
- جاء النون الساكنة قبل الباء.
ففي حال وجود الباء خلف النون الساكنة، يتم قلب النون إلى ميم، ويظل الإخفاء مستمرًا مع الغُنّة،مثل “قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ” [33: سورة البقرة].
3- الإخفاء
بخلاف حكم الإقلاب، يأتي الإخفاء بحروف تصل إلى 15 حرفًا (ز، ج، ش، س، ك، ق، ف، ذ، د، ث، ت، ظ، ط، ض، ص)،وتعني كلمة الإخفاء ستر الشيء، مثل كلمة الأنصار في “وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ” [100: سورة التوبة]،وهناك تصنيفات مختلفة للتعريف بمراتب الحروف في الإخفاء
- مرتبة أدنى تتكون من حروف (ق، ك).
- مرتبة أعلى تشمل حروف (د، ت، ط).
- مرتبة وسطى تشمل باقي الحروف.
4- الإظهار
يمتاز حكم الإظهار بعدد حروف مماثل للإدغام، بحيث يبلغ 6 أحرف (غ، ع، ء، خ، ح، هـ)،يعني الإظهار في اللغة تبيين الشيء بشكل واضح،يحدث الإظهار عند وقوع النون الساكنة أو نون التنوين قبل حروف الإظهار، فتنطق النون ظاهرة،مثل في “فِيها أَنْهَارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ” [15: سورة مُحمد].
أحكام رواية ورش عن نافع
تُعتبر رواية ورش إحدى القراءات السبعة المشهورة للقرآن الكريم،يتناول تحديد الأحكام الخاصة بالإدغام فيها تقسيمًا شاملًا إلى ثلاثة صور، وتتمثل هذه الصور في
أولًا إدغام المتشابهين
يتحقق إدغام المتشابهين عندما يتطابق الحرفان في كل من الصفة والمخرج، مثل الباءين واللامين والدالين، كما في الأمثلة (اضرب بعصاك، بل لا تخافون، إذ ذهب).
ثانيًا إدغام المتجانسين
هنا يختلف حال الإدغام، إذ يحدث بفارق في الصفات مع الاتفاق في المخرج، مثل الألفاظ المدغمة (أثقلت دعوا الله، قل رب).
ثالثًا إدغام المتقاربين
بخلاف النوعين السابقين، لا يحتاج الإدغام المتقارب إلى تشابه في حرف على الأقل، وإنما يكفي أن يكون هناك تقارب بين الحرفين،مثل “يلهث ذلك، ألم نخلقكم”.
جدير بالذكر أن عملية الإدغام الشامل تعني أن الحرف الأول يكون مدغمًا وساكنًا، بينما الثاني يكون متحركًا،هذا ما يعرف بالمدغم الصغير، بينما الإدغام الكبير هو وجود حرفين مدغمين وكلاهما متحرك، لكن هذا النمط لا يتواجد في رواية ورش.
إن ما تناولناه في هذا المقال يسطر جزءًا يسيرًا من تاريح اللغة العربية، فكلما عمقنا البحث في جمالياتها وتشريعاتها، كلما نستطيع إدراك هذا الغنى الروحي والنحوي الذي تحتويه.