يعتبر التسامح من القيم الأساسية التي يحث عليها الدين الإسلامي، ويعتبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم نموذجاً يحتذى به في هذه القيمة،فالتسامح لا يقتصر فقط على قبول الأخطاء بل يتعدى ذلك ليكون أسلوب حياة يشمل العفو عن الآخرين وإظهار الرحمة، مما يسهم في بناء مجتمع متلاحم وقوي،في هذا المقال، سنتناول عدة جوانب تتعلق بالتسامح والعفو كما ورد في النصوص الشرعية،سنستعرض الأحاديث النبوية وآيات من القرآن التي تبرز قيم التسامح، وكذلك بعض القصص التاريخية التي تجسد هذه القيم في حياة النبي.
حديث نبوي شريف عن التسامح
التسامح والعفو من أبرز المبادئ التي دعا إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث نجد في سيرته العديد من الأحاديث التي تعكس أهمية هذه القيم،فمثلاً، روي عن عائشة رضي الله عنها قولها (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى)،وهذا الحديث يوضح لنا كيف كان الرسول يتعامل مع من يسيء إليه بالصبر، ويؤكد على أهمية العفو.
- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال
(كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)،متفق عليه. - عن أبي هريرة رضي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال
(ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)،متفق عليه. - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال
(كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم الأعرابي قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء)،متفق عليه.
تشير هذه الأحاديث إلى أن التسامح لم يكن مجرد فكرة بل كان منهج حياة يعيشه النبي في كل جوانب حياته، مما يعكس أهمية الرحمة في التعامل مع الآخرين.
التسامح في الإسلام
يعد التسامح جزءاً أساسياً من التعاليم الإسلامية، حيث أرسل الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام القويم الذي يشجع على الرحمة والتواد،تميزت أمته بالوسطية، وقد ورد في القرآن الكريم {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} فهذه الوسطية تشمل التمتع بصفات الخير، كالعفو والمسامحة.
لذا يجب أن يسعى كل مسلم إلى التحلي بهذه الخصال الحميدة في حياته اليومية، فمن خلال التسامح يمكننا بناء مجتمع يتسم بالسلام والمحبة، والتنافس في فعل الخير.
آيات قرآنية عن التسامح
وردت العديد من الآيات القرآنية التي تدعونا إلى التحلي بالتسامح، كما تشدد على أهمية العفو في حياة المسلم،ومن أبرز هذه الآيات
- قال تعالى {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (43) سورة الشورى.
- قال تعالى {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134) سورة آل عمران.
- قال تعالى {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (22)سورة النور.
- قال تعالى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}(85) سورة الحجر.
- قال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(199) سورة الأعراف.
قصص عن تسامح النبي صلى الله عليه وسلم
تتعدد القصص الدالة على تسامح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها
قصة النبي مع الرجل الذي كان يريد أن يقتله
تدور أحداث هذه القصة حول غزوة الرقاع، حيث روى جابر عبد الله رضي الله عنه موقفاً يدل على عفو النبي،عندما كان مستريحاً تحت شجرة، هاجمه رجل مشرك محاولاً قتله، فقال له النبي أن الله هو من يمنعه، فسقط السيف من يد الرجل، وبدلاً من الانتقام، عفا عنه النبي، مما يظهر مدى كرم أخلاقه.
قصة فتح مكة
تعد من أبرز الأحداث الدالة على تسامح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عندما دخل مكة بعد سنوات من الهجرة،كان أهل مكة في حالة من الخوف والقلق من عاقبة أفعالهم تجاه النبي وأصحابه، ولكن النبي فاجأهم بقوله “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، ليؤكد على أهمية التسامح والعفو.
وفي ختام هذا المقال، يجب علينا كمجتمع إسلامي أن نستلهم قيم التسامح والعفو من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم،لنحرص جميعًا على تعزيز هذه القيم في حياتنا اليومية، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك ومحب للسلام.