تعد السنة النبوية جزءاً أساسياً من الدين الإسلامي، إذ إن اتباعها يمثل التزاماً بأحكام الشريعة التي أتى بها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-،تعتبر السنة وسيلة للحفاظ على القيم الإسلامية وتعزيز السلوكيات الحميدة،ومع مرور الزمن، هجر الكثير من المسلمين بعض السنن النبوية، مما جعل معرفة هذه السنن المهجورة ضرورية لإعادة إحياء دورها في حياة الناس،هذا البحث سوف يستعرض بعض هذه السنن المهجورة، ويدعو المسلمين للإحاطة بتلك المعلومات كجزء من إيمانهم وممارستهم اليومية.
أمثلة علي السنن المهجورة
تكمن أهمية اتباع سنن النبي -صلى الله عليه وسلم- في كونها تدعم وتعزز القيم الروحية لدى المسلمين، حيث تساهم في القرب من الله،المسلم الذي يلتزم بتطبيق هذه السُنن سيكون له نصيب وافر من الأجر والثواب من الخالق،لذلك، ينبغي على الإسلاميين التمسك بهذه التوجيهات والعمل بها في حياتهم اليومية، حيث تُظهر لنا تاريخه المشرق وكيف كان يتمسك به خير الأنام.
تعددت الأحاديث والنصوص التي تشير إلى السنن، ولقد قَسَّم العلماء السُنن إلى مؤكد وغير مؤكد؛ ومع مرور الزمن، أصبحت بعض السُنن مهجورة ولم تعد تُمارس في الحياة اليومية،منذ وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، انسحبت العديد من السُنن من عادات وتقاليد المسلمين، وهو ما يتطلب إعادة الانتباه إلى تلك السنن المفقودة،لذلك، سنقوم باستعراض بعض السُنن المهجورة التي تستحق الإحياء في المجتمع المسلم.
أولًا سُنن الوضوء المهجورة
تتواجد العديد من السُنن النبوية التي تتعلق بالوضوء والتي قد تكون غير معروفة للكثيرين،دعونا نسلط الضوء على بعض هذه السنن المهجورة
1- المضمضة والاستنشاق خلال الوضوء
إن من السنة أن يتم المضمضة والاستنشاق من نفس إناء الماء خلال الوضوء،قد ورد عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- ما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث قال
“ثُمَّ أدْخَلَ يَدَهُ فاسْتَخْرَجَها فَمَضْمَضَ، واسْتَنْشَقَ مِن كَفٍّ واحِدَةٍ فَفَعَلَ ذلكَ ثَلاثًا”[رواه عبد الله بن زيد بإسنادٍ صحيح].
2- الوضوء قبل غسل الجنابة
واحدة من السنن المهجورة هي القيام بالوضوء قبل الاغتسال من الجنابة، حيث اعتاد كثير من الناس أن يتوضأوا بعد الغسل فقط،وقد استند العديد من العلماء إلى ما ورد عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- بهذا الخصوص.
“كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ،ثُمَّ يُفْرِغُ بيَمِينِهِ علَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ،ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ”يس
3- ركعتين بعد الانتهاء من الوضوء
يعتبر أداء ركعتين بعد الوضوء من السنن العظيمة حيث ورد عنه -صلى الله عليه وسلم-
“مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئي هذا ثُمَّ قامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”[رواه عثمان بن عفان في صحيح مسلم].
4- تلاوة التشهد ونص الدُعاء
تلاوة التشهد والدعاء الذي يلي الوضوء يعد من السنن المهجورة أيضًا،فقد ورد هذا الدعاء في أحد الأحاديث التي نُقلت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تتحدث عن الثواب الكبير المترتب على ذلك.
“ما مِن مُسلمٍ يتَوضَّأُ فيُحسِنُ الوضوءَ ثمَّ يقولُ أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورَسولُه إلَّا فُتِحتْ لهُ ثمانيةُ أبوابِ الجنَّةِ يدخُلُ مِن أيِّها شاءَ” [رواه عمر بن الخطاب في صحيح ابن ماجة].
ثانيًا سُنن مهجورة في الصلاة
بعدما عرضنا بعض السُنن المهجورة في الوضوء، سنستعرض السُنن المتعلقة بالصلاة، وهي من أهم أركان الدين التي سيُسأل عنها المسلم أولاً يوم القيامة
1- استخدام السواك عند التقدم للقيام والصلاة
يعتبر استخدام السواك من السُنن التي قد يهجرها كثيرون، رغم أنها تساهم في طهارة الفم،حيث قال -صلى الله عليه وسلم-
“لولا أنْ أشُقَّ على أمَّتِي لأمرتُهُمْ بالسِّوَاكِ عندَ كلِّ صلاةٍ” [رواه زيد بن خالد الجهني في سنن الترمذي بإسنادٍ حسنٍ صحيح].
2- الصلاة إلى سترة
الصلاة إلى سترة تعد من السنن الهامة، حيث تُشير إلى ضرورة الحفاظ على الخشوع والتركيز،وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أشار إلى ذلك في حديثه عندما قال
“إذا صلَّى أحدُكم فلْيُصلِّ إلى سُتْرةٍ، ولْيُدنِ منها، ولا يدعْ أحدًا يمرُّ بين يديْهِ؛ فإنْ جاء أحدٌ يمرُّ فلْيُقاتِلْه فإنَّه شيطانٌ” [رواه الألباني في صحيح الجامع].
3- قراءة سورتي الإخلاص والكافرون فجرًا
قراءة سورتين من القرآن الكريم خلال ركعتي الفجر امتثالاً لعمل النبي، حيث يُبين أبو هريرة -رضي الله عنه-
“أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَرَأَ في رَكْعَتَيِ الفَجْرِ {قُلْ يا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ}”
4- الافتراش والتورك في الصلاة
قد ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أهمية الجلوس بصلاحيات معينة عند التشهد الأخير والأوسط،قال أبو حميد الساعدي -رضي الله عنه-
“فَإِذَا جَلَسَ في الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ علَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، ونَصَبَ اليُمْنَى، وإذَا جَلَسَ في الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، ونَصَبَ الأُخْرَى وقَعَدَ علَى مَقْعَدَتِهِ” [ورد في صحيح البخاري].
5- الدُعاء بعد انتهاء ركعة الوتر
دعاء الله بعد الانتهاء من الوتر هو من الأمور المنسية، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك
“كانَ رسولُ اللَّهِ، يقرأُ في الوترِ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فإذا سلَّمَ قالَ سُبحانَ الملِكِ القدُّوس ثَلاثَ مرَّاتٍ” [صحيح المسند رواه عبد الرحمن بن ابزي].
ثالثُا سنن مهجورة عن النوم
توجد أيضًا سنن متعلقة بالنوم لا ينبغي تجاهلها، منها
1- النوم على الجانب الأيمن
النوم على الجانب الأيمن مع كونه متوضئًا، يُحبذ قراءة دعاء النوم،قال النبي -صلى الله عليه وسلم-
“إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ علَى شِقِّكَ الأيْمَنِ …” [رواه البراء بن عازب في صحيح مسلم].
2- النوم بعد صلاة العشاء
قد يُعتبر النوم بعد صلاة العشاء سنة مهجورة،كما أن “نفض الفراش ثلاث مرات” وسيلة نبوية يُستحب اتباعها.
“إذا جاءَ أحَدُكُمْ فِراشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ولْيَقُلْ باسْمِكَ رَبِّ وضَعْتُ جَنْبِي، وبِكَ أرْفَعُهُ…” [رواه أبو هريرة في صحيح البخاري].
3- الدُعاء عند الاستيقاظ من النوم
ينبغي على المسلم أن يردد الدعاء عند الاستيقاظ، يقول
“إذا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلِ الحمدُ للهِ الذي عَافَانِي في جَسَدِي …” [رواه أبو هريرة بإسنادٍ جيد].
4- غسل اليد عند الاستيقاظ من النوم
من الأمور المهمة غسل اليدين عند الاستيقاظ، استنادًا إلى قول الرسول
“وإذَا اسْتَيْقَظَ أحَدُكُمْ مِن نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أنْ يُدْخِلَهَا في وضُوئِهِ، فإنَّ أحَدَكُمْ لا يَدْرِي أيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ” [حديثٌ بإسنادٍ صحيح].
رابعًا سنن مهجورة عن الطعام واللباس
تتواجد عدة سنن مهجورة مرتبطة بالطعام واللباس، منها
1- ارتداء وخلع الحذاء
من السنة ارتداء الحذاء الأيمن أولًا وخلع الأيسر أولًا، استناداً لقول النبي
“إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ باليَمِينِ، وإذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بالشِّمَالِ…” [رواه أبو هريرة في سنن أبي داوود].
2- ارتداء الثياب البيضاء
يرتدي المسلم الملابس البيضاء لقيمتها وأثرها، حيث قال النبي
“البِسوا من ثيابِكُمُ البياضَ فإنَّها مِن خيرِ ثيابِكُم …” [رواه عبد الله بن عباس بإسنادٍ صحيح].
3- البسملة قبل الأكل والشُرب
قول بسم الله الرحمن الرحيم عند تناول الطعام يعكس السنة، حيث قال النبي
“إنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عليه” [رواه حذيفة بن اليمان في صحيح أبي داوود].
3- حمد الله بعد الأكل والشرب
الحمد بعد الطعام من السُنن التي يُشدد عليها، حيث قال النبي
“إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا…” [رواه أنس بن مالك بإسنادٍ صحيح].
4- الشُرب ثلاثًا
الشرب ثلاثة مرات يعد سُنة نبوية، فقد روى أنس بن مالك
“كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ في الشَّرَابِ ثَلَاثًا…” [مصدره صحيح مسلم].
5- الدُعاء بعد تناول الطعام
الدعاء بعد الطعام يُعد ضرورة، كما ورد عن النبي
“فإذا فرغَ من طعامهِ قالَ اللَّهمَّ أطعَمتَ وسقيتَ وأغنَيتَ وأقنيتَ…” [بإسنادٍ صحيح لسلمة بن الأكوع].
6- تناول التمر على السحور
يعتبر تناول التمر على السحور ممارسة مستحب، حيث قال الرسول
“نِعْمَ سَحُورُ المؤمنِ التمرُ”[رواه أبو هريرة بإسنادٍ صحيح].
7- الدعاء بعد شرب اللبن
كما قال النبي ” منْ أَطْعَمَهُ اللهُ طعامًا، فلْيَقُلْ اللهم بارِكْ لنَا فيه…” [رواه عبد الله بن عباس بإسنادٍ صحيح].
أمثلة أخرى من السُنن النبوية المهجورة
ثمة العديد من الأمثلة الأخرى من سنن النبي -صلى الله عليه وسلم- التي هجرت بسبب عدم علم الكثير من المسلمين بها، ومنها
- التعجيل من الإفطار في رمضان.
- تحنيك فم المولود بالتمر.
- تبرك الإنسان بالأمطار عند هطولها.
- الوقوف عند رؤية الجنائز.
- الصلاة أثناء ارتداء النعل الطاهر.
- التكبير عند الصعود والتسبيح عند النزول.
- الدعاء عند الخروج من المنزل.
- بقاء اليد عند المصافحة.
- منع الأطفال من الخروج في أول الليل.
- توديع المسافر من السنن المهجورة.
يجب معرفة أن هناك العديد من سنن ماتت ولم يتم التعرف عليها، حيث إن الرجوع إليها والعمل بها قد يكون السبب في دخول الجنة،على المسلمين التعرف عليها وإحيائها لتكون جزءًا من حياتهم اليومية.